من خصائص أهل الحديث
((لم يجتمع قط أهل الحديث على خلاف قوله في كلمة واحدة ،والحق لا يخرج عنهم قط ،وكل ما اجتمعوا عليه فهو مما جاء به الرسول ،وكل من خالفهم من خارجي ورافضي ومعتزلي وجهمي وغيرهم من أهل البدع فإنما يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم ،بل من خالف مذاهبهم في الشرائع العملية كان مخالفاً للسنة الثابتة، وكل من هؤلاء يوافقهم فيما خالف فيه الآخر ،فأهل الأهواء معهم بمنزلة أهل الملل مع المسلمين ،فإن أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل كما قد بسط في موضعه.
فإن قيل: فإذا كان الحق لا يخرج عن أهل الحديث فلم لم يذكر في أصول الفقه أن إجماعهم حجة ،وذكر الخلاف في ذلك كما تكلم على إجماع أهل المدينة وإجماع العترة؟
قيل لأن أهل الحديث لا يتفقون إلا على ما جاء عن الله ورسوله وما هو منقول عن الصحابة ،فيكون الاستدلال بالكتاب والسنة وبإجماع الصحابة مغنياً عن دعوى إجماع ينازع في كونه حجة بعض الناس ،وهذا بخلاف من يدعي إجماع المتأخرين من أهل المدينة إجماعاً، فإنهم يذكرون ذلك في مسائل لا نص فيها ،بل النص على خلافها ،وكذلك المدعون إجماع العترة يدعون ذلك في مسائل لا نص معهم فيها ،بل النص على خلافها ،فاحتاج هؤلاء إلى دعوى ما يدعونه من الإجماع الذي يزعمون أنه حجة.
وأما أهل الحديث :فالنصوص الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي عمدتهم، وعليها يجمعون إذا أجمعوا ،لا سيما وأئمتهم يقولون لا يكون قط إجماع صحيح على خلاف نص إلا ومع الإجماع نص ظاهر معلوم يعرف أنه معارض لذلك النص الآخر ،فإذا كانوا لا يسوغون أن تعارض النصوص بما يدعى من إجماع الأمة لبطلان تعارض النص والإجماع عندهم ،فكيف إذا عورضت النصوص بما يدعى من إجماع العترة أو أهل المدينة ؟وكل من سوى أهل السنة والحديث من الفرق فلا ينفرد عن أئمة الحديث بقول صحيح ،بل لا بد أن يكون معه من دين الإسلام ما هو حق، وبسب ذلك وقعت الشبهة ،وإلا فالباطل المحض لا يشتبه على أحد ،ولهذا سمي أهل البدع أهل الشبهات وقيل فيهم إنهم يلبسون الحق بالباطل ))